روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | رسالة إلى مصطاف.. الداء والدواء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > رسالة إلى مصطاف.. الداء والدواء


  رسالة إلى مصطاف.. الداء والدواء
     عدد مرات المشاهدة: 2269        عدد مرات الإرسال: 0

أيها الأخ المبارك: هذه رسالة كتبتها بمداد الحب وسطرتها وقد سكبت فيها من روحي لعلها تصل إلى روحك.. لا بل تصل إلى سويداء قلبك فتلامس شغافه.. كتبتها وأنا أسائلك أن تصحبني بعقلك الذي يمنعك من ارتكاب كل قبيح، بعيدًا عن التشنجات والمغالطات والمهاترات التي لا تغني من الحق شيئًا. . إني أريدك يا أخي أن تأخذ ما سأطرحه عليك بكل موضوعية، وبكل إنصاف بدون أي انحياز لرغبات النفس وشهواتها فالعدل مطلوب والإنصاف واجب والظلم ظلمات يوم القيامة..

أيها الأخ المبارك:

إن موضوعي معك هو ما تفكر فيه الآن، وتبحث عن مكان يناسبك ويلائمك أنت وأسرتك وربما أعددت العدة له.. نعم هو النزهة والترفيه عن النفس.. إننا لا نعتب عليك بادئ ذي بدء أن تفكر في هذا الموضوع فالنفس مجبولة على ذلك وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا نعتب عليك أن تأخذ أسرتك وأولادك في نزهة برية أو رحلة خلوية أو غيرها، وإن غير ذلك يعتبر مصادمة للواقع ولذا عندما لقي حنظلة أبا بكر قال له نافق حنظلة، قال أبو بكر: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسولالله يذكرنا بالجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا قال أبو بكر: فوالله، إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله:  {وما ذاك؟} قلت: يا رسول الله! نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا! فقال رسول الله:  {والذي نفسي بيده إن لو تدمون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة - ثلاث مرات} إذن لا بد من الترويح عن النفس.. لابد من التخفيف عنها.. كما قال النبي ساعة وساعة..

وهنا أخي العزيز يأتي دور الأهواء والرغبات في فهم كلام النبي  {ساعة وساعة} وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حينما قال: (أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى، وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة).

ساعة وساعة..

نعم ساعة وساعة لكن هل يعني ذلك أنها ساعة للطاعة وساعة للمعصية! ؟ هل المراد ساعة لربك، وساعة لنفسك تفعل فيها ما تشاء وتختار! ؟ إن هذا المفهوم لا يمكن أن يحتمله كلام النبي، أو أن يفهم منه إذ كيف يتصور أن يأمر النبي بمعصية ربه، والتعدي على حدوده؟! وانتهاك محارمه؟! أما علمت أن رسول الله لم يكن يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت محارم الله اشتد غضبه، واحمر وجهه.. فكيف يأذن إذًا بالمعصية وهذا منهجه؟ وهذه طريقته؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.. إن المفهوم الصحيح لقول النبي ساعة وساعة هو ساعة لطاعة الله عز وجل، وساعة يلهو بلهو مباح كما هو ظاهر الحديث والذي يوافق روح الشريعة الغراء..

يقول الله عز وجل: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77] هاهو ربك عز وجل يأمرك أن تستعمل ما وهبك من المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والمساكن والمناكح.. فأي دين أعظم من هذا؟ وأي شريعة أكمل من هذه الشريعة؟ التي راعت بين جوانب الحياة كلها وأعطت كل ذي حق حقه.

أيها الأخ العزيز:

إن الإسلام لا يقف في وجهك حجر عثرة عن التنزه والترفه إذا كان ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تكفل لك ولأسرتك السلامة والعافية في الدارين.. ولكن إذا صاحب ذلك تفريط وإفراط هنا يأتي التحذير والمنع لا من أجل حرمانك من التمتع؟ كلا؛ بل من أجل المحافظة عليك من أن تحيط بك السيئات من كل جانب فتهلك فتكون من الخاسرين.. ما أجمل والله أن تكون النزهة عامرة بذكر الله عز وجل والمحافظة على فرائض الله.. ما أجمل أن يكون لك بهذه النزهة عبرة ومدكر فكما أنك لا تبني في هذه النزهة قصورًا ولا تؤمل فيها آمالًا، لأنك على يقين من أن لك دارًا في المدينة ستعود إليها.. كذلك فإن عليك أن تعلم أن هذه الدنيا دار فناء وأن لك دار أخرى تنتظرك فماذا أعددت لها؟ ما أجمل أن تكون تلك النزهة في ذلك الهواء الطلق، والسماءالصافية، والألوان الزاهية التي تجعلك تنظر وتتأمل في نجوم السماء وأفلاكها والتي قد لا تراها في المدن فتكون ممن قال الله فيهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

ما أجمل أن تحمل بعض الكتب النافعة والأشرطة المفيدة فتهديها إلى من حولك أو ممن تراه في رحلتك. ما أجمل تلك الرحلة التي تجمع بين المتعة والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهما أمران لا يتعارضان، ما أجمل تلك النزهة التي تكون فيها النكتة المباحة، والفائدة الممتعة.. ما أجمل والله ذاك الرجل الذي أخذ أسرته وذهب بهم للترويح البريء بمكان خال من أعين المتلصصين على عورات الناس ومحارمهم.. هذه كلها صور جميلة ولكن الذي يكدر الخاطر ويؤنب الضمائر، ما نراه في بعض تلك المنتزهات الجماعية أو ما تسمى بالعائلية من مشاهد مقززة من تبرج وسفور وارتفاع لأصوات النساء.. حتى وصل الأمر ببعض النساء أن تستخدم أرجوحة الأطفال والأجانب ينظرون! ! ويجري هذا تحت سمع وبصر الأولياء! ! فيا سبحان الله! أوصل حالنا إلى ما نرى؟! أفقدت الغيرة؟! أذبحت الأخلاق؟!

أخي العزيز..

رجائي أن لا تفر بسمعك أو بقلبك عن حديثي.. أخي هل يمكن لك أن تنبسط مع أولادك وأهلك في مثل تلك التجمعات؟ هل يمكن لزوجتك أن تأخذ راحتها وأنسها وتتأمل في ملكوت الله تعالى والناس من حولها.. الأسرة بقرب الأسرة! ؟ ثم كم من الشباب الذين يترصدون لاصطياد الفتيات في تلك التجمعات؟ والذين لا همّ لهم إلا النظر في عورات الناس؟ وكم من الشباب الذين نراهم في سيارتهم وقد رفعوا أصواتالموسيقى الصاخبة فهل يمكن أن تعمل شيئًا؟ وهل يمكنك أن لا تسمع تلك الأصوات أولادك وأسرتك؟ وكم من المشاهد ستراها أنت بنفسك لا تحل لك؟ فمن الذي يبيح لك رؤية النساء المتبرجات؟ وهل يمكنك في تلك الأماكن أن تغضن طرفك؟ وإن غضضته عن تلك فهل يمكن أن تغضه عن الأخرى وغيرها؟ إن حديثي إليك بهذه الصراحة لعلمي أنك رجل تقدر شعائر دينك حق قدرها؟ وتضع لها الأولويات في حياتك؟ ولا يمكن أن تعمل شيئًا إلا بعد أن تعرف حكم الله تعالى فيه لأنك رضيت بهذا الدين ورضيت بالله ربًا وبمحمد نبيًا. . ولذا قد تقول لي إن لها إيجابيات وأوافقك على ذلك ولكن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وإذا كان كذلك فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. ولعلك يا أخي لا تقتنع بكلامي هذا وتقول إن هذا ضرب من التعجيز والتعقيد والدين يسر! ! وأقول لك بلسان المشفق ربما لن يستيقظ قلبك إلا إذا لدغت - لا سمح الله - عندها لن ينفع ندم..

ثم يا أخي العزيز...

ربما قلت إنني أجد ضغطًا من أسرتي وإلحاحًا، فأقول لك قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] وأعلم أنك مسؤول أمام الله عن هذه العورات التي أخرجتها من بيوت ساترة فلا تجعلها أما الناس سافرة..

أخي الفاضل:

لعلك تقول بلسان حالك أو بلسان مقالك شخّصت لنا الداء ولم تشخص لنا الدواء ومنعتنا من التنزه في تلك المنتزهات المختلطة ولم تذكر بديلًا عنها، وهاهنا أنبهك إلى أمر عظيم غفل عنه الكثيرون وغاب عن بال آخرين ألا وهو ذلك الخطأ الفادح والأمر المشين وهو مطالبة المسلم دائمًا بالبدائل في كل شيء منع منه وحرمعليه، مع أن الواجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] هذا هو الأصل بالمؤمن فيما جاءه عن الله ورسوله من الأوامر والنواهي، المبادرة والسمع والطاعة ولذلك يخاطب الله تعالى عبادة المؤمنين بأجل الأوصاف وأحبها إليهم لاستجاشة قلوبهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24]، وهكذا كان الجيل الفريد أصحاب محمد من الاستجابة الحيّة لأوامر الله ورسوله بدون تردد ولا تلكّع فهاهم (لمّا نزلت آيات الخمر في تحريمه، لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد في نوادي المدينة: " ألا إن الخمر قد حرّمت " فمن كان في يده كأس حطّمها، ومن كان في فمه جرعة مجّها، وشقت زقاق الخمر وكسرت قنانيه..

وانتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر) إذًا لماذا كلما ذكرنا أمرًا محرمًا أو يؤدي إلى الحرام طالبنا الناس بقولهم: ما هو البديل؟ وكأن القائل يقول إذا لم تحضروا لي بديلًا لن أتراجع عمّا أنا فيه من المخالفة والعصيان وذلك ورب الكعبة لهو الخسران المبين، قال تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد:18] ويقول سبحانه: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ [الشورى:47].

هذا أصل يجب أن يتربى المسلمون عليه ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير.

ولا بأس أن أذكر لك بعض البدائل التي تحضرني و كماقيل الحاجة أم الاختراع فمن البدائل:

الاستراحات.. فهذه الاستراحات نفست عن كثير من الناس فيخرج الرجل مع أسرته ويقضي وقته معهم بأنس وسعادة دون مضايقات ولا معاكسات هادئ البال، قرير العين مطمئن النفس. فهذه واحدة.

والثانية: استغلال أماكن المنتزهات في أوقات خلوة الناس كبعد صلاة الفجر على سبيل المثال فإنّ من يتأمل خروج الناس يلحظ أن السهرة تبدأ قرب غروب الشمس إلى ساعات متأخرة من الليل ثم بعد ذلك يخلو المكان فيمكن للرجل أن يخالف هذه العادة ويستمتع بهذا المكان سواء كان على الساحل أو نحوه في مثل هذه الأوقات.

الثالثة: الذهاب إلى الخلوات والفلوات والاستمتاع بتلك الأمكنة بعيدًا عن أعين الناس ومضايقاتهم.

الرابعة: الذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة، والبقاء بقرب الرحاب الطاهرة ولا مانع أن يتخلل تلك الرحلة المباركة زيارة إلى مصائف الطائف الجميلة فتستمتع أنت وأسرتك بالهواء العليل والأرض الخضراء والمناظر الخلابة فتكون بذلك قد جمعت بين الحسنيين فعل الطاعة والترويح عن النفس. وأخيرًا ينبغي لك أيها المبارك عند عودتك للمنزل أن تتذكر ما الذي عاد عليك من هذه النزهة؟ فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه..

اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك تائبين، واجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الكاتب: محمد بن عبدالله الهبدان
 
المصدر: موقع كلمات